الاثنين، 6 ديسمبر 2010

حوار ممتع مع مجموعة مبشرين (في 5 دقائق)


تحدث معك أحيانًا بعض المواقف التي لم تكن تتوقعها, فتترك فيك أثراً عميقاً بل وتجعلك تفكر في حياتك وحقيقتها, وتتفاجاً حتى الذهول من إختلاف القناعات والإيمانيات عند الناس.

يوم الخميس الماضي خرجت من مسكن الطلاب في رزنيك في طريقي الى سيارتي الواقفة بجانب مقهى أروما, مستعداً للسفر الى بيتي في الشمال. كنت أضع حقائب وأغراض حين مرت بجانبي إمرأة في الأربعينيات من عمرها تظهر عليها الملامح الكورية, فقد كانت عيناها صغيرتان ضيقتنان وبشرتها تميل للون الأصفر.

كانت تتحرك بنشاط كبير وهي تحمل بيديها مجموعة من الكتيبات, توزعها على المارين على الرصيف, ولم يمنع نشاطها كثرة الأشخاص الذين رفضوا أخذ الكتيبات التي كانت توزعها.

عرضت كتيباً على إبنة عمي التي كانت بعيدة عني بضعة أمتار, فرفضت هذه الأخيرة أخذ الكتيب, كانت في طريقها مبتعدة عني عندما ناديتها بالإنجليزية طالباً منها كتيباً, إلتفتت إلي بإبتسامة ممزوجة بروح المفاجأة, ربما سببها أني كنت أول شخص يطلب منها كتيباً.

أعطتني كتيبين, أحدهما لونه أصفر كتب عليه بالعبرية عنوانه وهو "خيانة", أما الكتيب الثاني فقد كان إنجيلاً, عرفت حينها أنها من مجموعات المبشرين التي تنشط بالقدس, وعندها لاحظت أنه كان بالقرب منها مجموعة أخرى تحمل نفس الكتيبات كانوا معها في مجموعة واحدة.

عادةً أنا لا أدخل نقاشات مع النصارى في معتقداتهم, فقد نشأت في بيئة متسامحة جداً ومفتوحة على النصارى, بل كان أصدقاء لي من النصارى من أعز أصدقائي, حتى بعد إلتزامي وتديني كان مبدأ " كل واحد على دينه الله يعينوا" هو الطاغي على علاقتي مع أصدقائي النصارى, فنادراً ما كنا نخوض في نقاشات دينية منعاً للإحراج والخلافات.

هذه المرة ولسبب أجهله قررت محاولة الخوض في نقاش معها, وحتى أن اللغة الإنجليزية لم تمنعني من محاولة الحديث معها. أعتقد أن التساؤلات التي كانت في رأسي حول هؤلاء المبشرين وأحياناً الإعجاب بنشاطهم وحبهم "لدعوتهم" كانت تفاجئني.

فكثيراً كنت أسأل نفسي كيف لهؤلاء الذين يؤمنون بمعتقدات أعرف أنها خاطئة يعملون بهذا النشاط والرغبة لنشر دينهم ومعتقداتهم, ونحن المسلمون وبالرغم من صدق عقيدتنا وروعة ديننا وكتاب ربنا المعجز, نقصر في دعوتنا ونتخاذل عنها.

سألتها بلغتي الإنجليزية : "إذا أنت مسيحية؟"
فأجابتني بنعم.
فقلت وطبعاً تؤمنين بالمسيح! أجابتني نعم.
أكملت حديثي قائلاً وأنا أيضاً اؤمن بالمسيح مع أني لست مسيحياً!
جاوبتني مسرعةً وكأنها عرفت الى أين أرمي بسؤالي, وكانت ملامحي ولحيتي تدل على أني مسلم, فقالت بإنفعال شديد: "أنتم المسلمون تؤمنون بالمسيح, ولكننا نختلف عنكم, فأنتم تؤمنون أن المسيح إنسان ونبي عادي, أما نحن فنؤمن أنه إبن الله وأنه السبيل الوحيد للخلاص ولدخول الجنة".

كثيراً ما في نقاشاتي مع الأخرين يرتفع صوتي, فقد كنت تلقائياً أتقمص شخصية المحامي التي أعيشها يومياً, ولكني هذه المرة بقيت هادئاً بالرغم من أقوالها, وسألتها:
" هل تعرفين النبي إبراهيم"؟ فأجابتني طبعاً, فقلت لها : "وهل تعرفين أنه سيكون في نار جهنم؟" فأجابت متفاجئة " كلا, إنه نبي وهو حتماً في الجنة". فقلت لها: " حسب أقوالك الطريقة الوحيدة لدخول الجنة هي الإيمان ان المسيح هو إبن الله وأنه السبيل الوحيد للخلاص, وأنا قرأت بعضاً من الإنجيل, والنبي إبراهيم لم يكن مسيحياً ولم يقل أبداً أن المسيح إبن الله ولم يدع أبداً للسير على خطى المسيح ولم يسر هو في طريق المسيح, فكيف له أن يدخل الجنة إذا لم يدعو الى طريق المسيح بل ولم يؤمن ان المسيح ابن الله ولم يذكر هذا أبداً؟ , إذا فأكيد هو بالنار"!

كلماتي كانت مفاجئة لها بعض الشيء, ولم تجد لها جواباً فأخذت تصرخ علي مبتعدة عني, "المسيح هو الطريق الوحيد للخلاص".

أثناء حديثي معها كانت مجموعة المبشرين تنظر الينا, وجاء الي شاب منهم في الثلاثينات من عمره وسلم علي, وقال لي بلهجة إعتذار: لا تنزعج لصراخها عليك فهي "مؤمنة جداً", فأجيته: "على العكس لم يزعجني صراخها".

كان واضحاً على هذا الشاب أنه يسعى الى الدخول معي في نقاش حول النصرانية, فقال لي "فعلاً هنالك إختلاف بيننا وبينكم".

فقلت له:
"هل حقاً أنت تؤمن أن المسيح هو إبن الله وأنه السبيل الوحيد للخلاص؟",
فقال لي طبعاً,
فسألته: "المسيح هو سبيل الخلاص من ماذا"؟
فأجابني "أن أبونا أدم حين كان في الجنة قام بخطيئة عظيمة عندما أكل من التفاحة, ولأننا نحن البشر كنا في ظهره فقد لوثتنا هذه الخطيئة والمسيح هو السبيل الوحيد لتطهيرنا".

أجبته ونبرات الإنزعاج في صوتي: "وكيف تؤمن بشيء كهذا؟ لماذا على كل البشرية أن تتعذب ألاف السنين بسبب خطأ أرتكبه شخص ما, إذا كان أدم عصى الله فهذه مشكلته هي, أنا أؤمن ان كل إنسان يتحمل عاقبة أفعاله, فلو أن أبوك الحقيقي الذي كنت فعلاً بظهره قتل شخصاً ما أو قام بأي عمل خاطئ, هل من العدل محاسبتك أنت ومعاقبتك؟"

نظر الي هذا الشاب محاولاً قول شيء ولكني سارعته بالقول:
" أنا أؤمن أن الحياة مركبة أكثر من أن يكون مركزها تفاحة. وأؤمن أن الله الذي خلق الكون أعظم من أن يعاقب البشرية بسبب تفاحة, وإذا كان الله يريد أن يغفر لنا خطيئة أدم فلماذا يقوم بكل هذه العملية؟ لماذا يخلق لنفسه ولداً بعد ألاف السنين من سيدنا أدم, ومن ثم يقوم بقتله؟ ألا يستطيع الله أن يمحو الخطايا بمجرد الضغط على "دليت"!

أعتقد أن كلماتي هذه كانت كافية على هذا الشاب, فقال لي نحن نتواجد هنا مرتين كل أسبوع وأرجو أن نراك لنتناقش, وطلب مني رقم هاتفي قائلاً أن هنالك أشخاص يستطيعون الإجابة على أسئلتي, إعتذرت على إعطائه رقم هاتفي وقلت له, أنا هنا كل أسبوع وبالمرة القادمة ربما يكون لنا نقاش أطول!

بعد هذا النقاش القصير عدت الى بيتي وأنا أفكر في هؤلاء المبشرين وأنا أحدث نفسي قائلاً:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام!