الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

إبراهيم ناشف ومحمد نجم, أخوة منسيين في زنزانة الظلم


لا زلت أذكره, أتذكر صمته وضحكته الهادئه. فقد إلتقيت به عدة مرات في مناسبات ومحاضرات إيمانية في الجامعة العبرية, أتذكره جيداً لأنه كان يشبه بشكل كبير طالباً أخر من بلدي, كان فعلاً يشبهه حد التوأمة, حتى أني في المناسبات الثلاث كنت أسأله إذا كان من بلدي وإن كان هو هو ذالك الطالب إبن بلدي, فكان يخبرني كلا, إسمي إبراهيم ناشف وأنا من الطيبة.
في المرة الثالثة إلتقيت به في جبل المشارف, على باب قاعة من قاعات الطبيعة, ومنذ حينها علقت صورته في ذاكرتي.

كانت حادثة إعتقاله هو والأخ محمد نجم كصاعقة نزلت من السماء. لا زلت أذكر إتصال الأخ محمود حاج يحيى لي ليخبرني عن حادثة إعتقالهم, وليطلب مني الذهاب الى السجن لومعرفة الخبر والإطمئنان عليه, فكوني محامياً يسمح لي بذالك.

ذهبت للسجن في المسكوبية وسألت عنه فلم يسمع به أحد, وذهبت الى غرفة الإعتقالات والى قسم الأقليات, فكان الجواب نفس الجواب.

عدت في اليوم التالي وكنت قد إستفسرت من أحد زملائي المختصين بالقضايا الجنائية فأخبرني أن أسأل عن القسم رقم 20, وهو المعروف بالإسم المميز "غرفة العصافير", وهو قسم الشاباك والقضايا الأمنية, وهو أكثر أقسام السجن قسوةً ووحشة, حيث أن القانون يسمح للدوائر الأمنية منع السجين المتهم بقضايا أمنية من الإلتقاء بأهله أو التواصل معهم أو حتى إلتقاء محامي على مدار عدة أيام وذالك بحجج ودواعي أمنية.

في ذالك اليوم, وكان اليوم الرابع بعد إعتقال الأخ إبراهيم, أخبروني في دائرة السجن أنه تم نقله الى سجن أخر في منطقة المركز.

مرت عدة أيام وجميع طلاب الجامعة في حالة خوف وترقب وهلع, فأحد منهم لم يعلم سبب إعتقال الشباب, ولكن الشائعات كانت تدور في أروقة المساكن وتنتقل بصمت كانتشار ظلمة الليل الداكن, حتى مرت بضع أيام وإذا الصحف ومواقع الأنترنت تتحدث عن كشف خلية للقاعدة تعمل في الجامعة العبرية وخططت لإسقاط طائرة جورج بوش, وأنه تم تقديم لائحة إتهام بحقهم.

طالعت لائحة الأتهام وإذا هي تنسب للإخوة تهمة إنتماء لمنظمة إرهابية هي القاعدة, وتتهمهم بدخول مواقع تابعة للقاعدة وبالتخطيط لتنفيذ عملية إرهابية ولإسقاط طائرة رئيس الولايات المتحدة جورج بوش, وذالك بإستعمال صورايخ أو مواد متفجرة.

بحكم معرفتي بعقلية طلاب الجامعة, وبعقلية النظام الإسرائيلي الشاباكي, كان واضحاً أن هذه القصة خيالية ولا تمت للواقع بصلة, وأنه من الحماقة الإعتقاد أن طالباً في الجامعة سيفكر بتنفيذ هذا المخطط الساذج, لإغتيال أكثر شخصية محمية في العالم!

كما أنه كان واضحاً أن الهدف من هذا الإعتقال والضجة الإعلامية وطريقة تنفيذ الإعتقالات, والتي تشيه معركة حربية, ما هي إلى حلقة أخرى من مسلسل الترهيب والتخويف للمواطنين العرب, ولإبقائهم بحالة الخوف وعدم رفع الرؤوس بل حتى التفكير في تغيير الواقع المر.

هذه الحلقة تضاف إلى حلقات أخرى من دعوة الكثير من طلاب الجامعات للتحقيق في الشاباك ومحاولة تجنيدهم للشاباك, وعلى الأقل وإذا لم ينجح الأمر, يبقى الطالب في حالة خوف مستمر ودائم وفي حالى قبول وخضوع للواقع الموجود.

أكثر ما أحزنني وأغضبني في إعتقال هؤلاء الإخوة, هو السذاجة والبساطة والتبعية التي تميز معظم المسلمين, والتي تمنعهم من الفحص والتمحيص والتدقيق, وتقودهم للإنسياق وراء الكثير من ألذين يدعون الدين والمشيخة ويطيلون اللحى, وكأن أسهل الطرق لخداع العامة والبسطاء هي لبس العمامة وإطالة اللحية وأذا خضبتها بالحناء كان ألأمر مقنعاً أكثر.

هؤلاء الأخوة إنساقوا وراء "مشايخ" تعرفوا عليهم بالمسجد الأقصى, هم "مشايخ" مثل باقي المشايخ, يتحدثون بالدين وحب الوطن ومكارم الإخلاق وضرورة إنهاء الأحتلال, بل ينتظمون في الصفوف الأولى لكل صلاة, وهم مثل باقي "المشايخ" يلبسون عمامات ويطيلون اللحى بشكل مبالغ, وهم مثل باقي المشايخ بقيضون معاشات, ولكن معاشات "المشايخ" من جيوب المسلمين وهؤلاء معاشاتهم من حساب الشاباك, وظيفتهم مراقبة المسلمين والمصلين وتقديم التقارير بذالك, وأيضاً استدراج البسطاء من المسلمين لإعتقالهم للحفاظ على ملسلسل التخويف مستمراً, وذالك عن طريق "حلقات تربوية" ودروس دينية.

للأسف وبكل ألم, هؤلاء الشباب كانوا من البسطاء الأنقياء الذين كان من السهل خداعهم, وقد تم خداعهم.

مرت الأشهر والأسابيع والأيام, والغاية من إعتقال الشباب قد إنتهت, فقد كان الهدف هو الإعلام والتخويف وتضخيم الموضوع حين الإعتقال ليبقى مزروعاً في الأذهان, وقد تم ذالك, ولم يبقى على سلطات الشاباك والشرطة إلا أنهاء المحكمة بكل صمت وهدوء.

محكمة الأخ إبراهيم ناشف قد إنتهت, فقد تم أنهاء القضية بصفقة إدعاء, وحسبها تم تعديل لائحة الإتهام بحيث تم تعديل بنود الإتهام من تهم أمنية خطيرة عقوبتها قد تصل إلى 20 سنة, تم تعديلها لتهم بسيطة هي الأنتماء لتنظيم معادي وبأمتلاك مواد دعائية معادية للدولة. حتى هذه التهم هي واهية وعلى الأغلب لا أساس لها, ولكن ظروف القضية تجبر المحامي والمتهم على الرضوخ للواقع وتقبل صفقة إدعاء, تكون هي أفضل الإمكانيات لإخراج المتهم من السجن وتقصير مدة كحكوميته وإعادته لأهله بأسرع وقت.
المحكمة قضت على الأخ إبراهيم ناشف بالسجن 20 شهراً أبتداءً من يوم 10.6.2008, الأمر الذي يعني أن إطلاق صراحه سيكون على أقصى حد 10.2.2010 وهو بعد شهر ونصف من اليوم.

أما الأخ محمد نجم فمحكمته لم تنتهي حتى اليوم بحسب علمي, ونسأل الله أن يفرج كربهه وهمهه وأن يعيده إلى أهله سليماً معافى.

هذه الفترة مرت علينا كلمح البصر, خلالها ربما نسي معظمنا الأخوة إبراهيم ومحمد نجم, ربما نسينا لحظات جميلة وذكريات طيبة كانت لنا معهم, ولكن معظمنا لن ينسى أن طالبين عربيين تم إعتقالهما بتهمة أمنية, لتبقى حالة الخوف والهلع في نفوس شبابنا لتمنعهم حتى من رفع رؤوسهم ومحاولة تغيير واقعهم.

نصيحة هي لكل شباب وشابات المسلمين, حصنوا أنفسكم بالفكر والذكاء والتمحيص, ولا تأخذوا الأمور كأنها مفهمومة ضمناً, وتعلموا النقد والإنتقاد وعدم التسليم بالواقع, ولا يغرنكم الكلام المعسول لذالك "الشيخ" وذالك "الداعية", ولا يبهرنكم زيف اللحى وإعتلاء الصف الأول في الصلاة, وتأكدوا أن كل المشايخ بشر, وفيهم الصادق والكاذب والمنافق, وفيهم من يخدم الدين وفيهم من يهدم في الدين, والأخطر هم من يهدمون الدين دون وعي وشعور, وهم للأسف كثر.

ختاماً إخوتي, إياكم والإنسياق والإنقياد, وكونوا أصحاب شخصيات قوية واعية مفكرة, تخدم دين الله والمسلمين وتدعو للألفة والمحبة بينهم, ولا تدبعوا أهواء غيركم من الخداعين والمخدوعين والمتاجرين بالدين.

ونسأل الله العفو والعافية وحسن الخاتمة لأخوينا إبراهيم ومحمد, وأن يلهم الله أهلهم الصبر والسلوان على مصابهم, وأن يختم بالصالحات أعمالهم.

الأحد، 13 ديسمبر 2009

موسم الحج الى سلوان

في كل صباح ومساء تطالعنا الصحف ومواقع الانترنت بأخبار المتضامنين مع سلوان والحاجين اليها, وتطالعنا تصريحاتهم بصمود أهل القدس في بيوتهم وعلى أراضيهم وخاصة أهالي سلوان, كما وتطل علينا تحليلاتهم وتصريحاتهم بالخطوات التي سيتخذونها للذود عن القدس وعن سلوان وعن مخططات الهدم والتهويد التي تحضرها بلدية القدس مدعومة بالمؤسسة الاسرائيلية بكل أذرعها, الحكومية والقضائية وحتى التنفيذية متمثلة بالشرطة والجيش والشاباك.

الانطباع الذي يظهر جلياً من تصريحات المصرحين وصلوات الحاجين الى سلوان, أن قادتنا لا يزالون في حالة التخبط واحتراف رد الفعل, وأنهم حتى لا يفهمون الوضع والحالة القانونية التي تتواجد فيها القدس الشرقية بشكل عام وحي سلوان وبيوته المهددة بالهدم بشكل خاص, ولذا من الطبيعي أن لا يعرف قادتنا ماذا عليهم أن يفعلوا لحماية القدس ومن البديهي أن لا تكون لديهم أي مخططات فعلية أو خطة عمل لمواجهة مخططات الهدم والتهويد.

فهاك ترى الجميع يصرح بأن بلدية القدس تنوي هدم البيوت في حي البستان في سلوان وعددها 88 بيتاً, وأن البلدية قد أصدرت أوامر هدم بذالك, والسؤال هو هل يعلم أي من قادتنا على أي أساس ووفقاً لماذا تنوي بلدية القدس هدم هذه البيوت؟ وهل نفهم الحالة القانونية لحي البستنان وبيوته المهددة بالهدم حتى نعرف كيف نتعامل مع الموضوع ومع الواقع المفروض؟ وهل نعرف الحالة القانونية لمناطق وبيوت أخرى بالأحياء المختلفة لشرقي القدس مثل رأس خميس وحي العباسية وغيرها؟

الجواب وللأسف وكما يبدو هو لا!

ليس فقط أن قادتنا المختلفين والنوابغ ليسوا على دراية ووعي كافي بالواقع الموجود, بل لا ترى على أرض الواقع أي تأثير فعلي للحركات والمؤسسات العربية والفلسطينية على اختلافها, فترى نشاطها مقتصراً فقط على زيارات لخيمة الاعتصام في سلوان والتقاط الصور من عدسات المصورين واطلاق التصريحات المختلفة والتشديد على أهمية النضال الشعبي والجماهيري.

يمكن القول أنه اليوم قد أصبح جهاز القضاء والمحاكم الاسرائيلية في القدس, أشبه بالمحاكم العسكرية, وباتت قرارات الحكم أشبه بقرارات حكم يكتبها رئيس الحكومة أو رئيس البلدية بنفسه, فترى حتى القضاه- والذين من المفروض أن يكونوا على الحياد وأن يقرروا حسب "القانون" الاسرائيلي وقواعد اللعبة القانونية المفروضة- أصبحوا يسعون لفرض واقع جديد تكون فيه المصالح اليهودية الاستيطانيية في القدس أموراً طبيعية بل ويجب على الجهاز القضائي أن يأخذها بالحسبان لمصلحة المصادقة على هدم البيوت العربية والفلسطينية في البلاد.

القضاء المسيَس والداعم لاستيطان اليهود وتهويد القدس يمتد على طول المحاكم المختلفة في القدس, بداية بمحكمة الشؤون المحلية ( محكمة البلدية) وهي المحطة الأولى بالمصادقة على أوامر الهدم, وثانياً المحكمة المركزية والتي ترسم سياسة قانونية وسوابق قضائية لتهويد القدس وهدم بيوت الفلسطينيين بلباس قانوني, وأخرها المحكمة العليا والتي تتابع وتكمل اللمسات الأخيرة لرسم سياسة تهويد القدس واعطائها صبغة قانونية.

للأسف, بنظر الكثير من المراقبين أصبح جهاز القضاء الاسرائيلي مخترقاً ومسيَساً ويعمل يداً بيد مع الحكومة الاسرائيلية وبلدية القدس من أجل إتمام مشاريع التهويد وهدم بيوت العرب في شرقي القدس, واذا لم يتم مواجهة هذا الخطر فلن يبقى للوجود الفلسطيني بشرقي القدس الا ما تريده المؤسسة الاسرائيلية وبلدية القدس.

لا بد من الإعتراف أن جميع نشاطاتنا ومشاريعنا وخطط عملنا هي ضمن "القانون الاسرائيلي" وحدود اللعبة المرسومة, وهي بنهاية المطاف وبشكل أو بأخر تمر بجهاز القضاء, فإن كان نشاطنا سياسياً متمثلاً بنشاطات سياسية أو اجتماعية, أو قانونياً متمثلاً بدعاوى أو اعتراضات قانونية, أو حتى تخطيطياً وهندسياً من أجل بناء ورسم مخططات هندسية ومعمارية لاستصدار رخص بناء أو تنفيذ مشاريع اعمارية, تمر بطريقة أو باخرى تحت يدي جهاز القضاء الاسرائيلي للمصادقة عليها.

برأينا وبحكم الخبرة والعمل اليومي ومعالجة المئات من قضايا هدم البيوت في شرقي القدس وسلوان, فان "معالجة" جهاز القضاء والتصدي لعملية تسييسه هي أهم المشاريع التي على قيادتنا الجماهيرية فعلها ومواجهتها, والأمر موجه خاصة لأعضاء الكنيست العرب الذين بوسعهم محاولة تغيير الوضع القضائي والتأثير فيه, إما عن طريق اعلاء الموضوع على طاولة الكنيست أو استجواب وزير العدل وغيره من الذين يرسمون سياسة القضاء, أو بعقد مؤتمرات صحفية تفضح قرارت حكم القضاء الاسرائيلي, أضافة لطرق أخرى عديدة لا يتسع الحديث عنها على الشبكة العنكبوتية وضمن مقال واحد.

فلا يمكن ومن غيل المعقول ولا المقبول أن يصدر قرار حكم لقاضي في محكمة العدل العليا يعترف فيه بالحق اليهودي بشرقي القدس وأهمية المنطقة من ناحية دينية يهودية وأثرية وبناءاً عليه يصادق على هدم بيوت الفلسطينيين في سلوان, ولا يكون رد فعل "قانوني" أو تعقيب للقادة وأعضاء الكنيست العرب ولا تتطرق الصحف العربية لهكذا أمر!

تماماً مثل قرار المحكمة المصادقة على المظاهرة الاستفزازية لليمين المتطرف في أم الفحم, فلم تسمع أي شخصية عربية تهاجم المحكمة العليا الاسرائيلية والقاضي الذي أصدر قراراً كهذا أو حتى تحاول التأثير على قرارات المحكمة العليا وهي أكثر القرارات بعداً عن الحياد والموضوعية, فاليوم تقوم المحكمة العليا باصدار قرارات حكم مجحفة وذالك لكسب رأي الشارع اليهودي وتخفيف حدة الهجوم عليها من قبل الشارع اليهودي الاسرائيلي.

هنالك الكثير الكثير ليقال, فحال شعبنا ومؤسساتنا وقادتنا وطريقة عملهم لا تتناسب ولا ترقى لدرجة التحديات, ولكن طول الكلام بوابة الملل وفقدان المقال لمغزاه.

ختاماً وللأسف الشديد, في هذه المعركة مع المؤسسة الاسرائيلية, ترى الجمعيات اليهودية الاستيطانية والمؤسسة الحكومية وبلدية القدس تنفق ملايين الدولارات في مشروعاتها وفي بناء المخططات, ويتبين لك أن لديهم مشروع عمل مدبر ومخطط تقف من ورائه المؤسسة الاسرائيلية بكل جبروتها, أما نحن كعرب وفلسطينيين في هذا البلاد ليس لدينا أي تخطيط ولا نشاط له وزن, ولا خطة عمل لمواجهة التحديات, بل قل ولا أي فعل يذكر يغير ولو القليل من الواقع الموجود, إلا التصريحات الجوفاء ولبس أجمل الملابس في موسم الحج الى سلوان.