الأربعاء، 20 يناير 2010

الطلاب العرب في الغربة, ما بين الخوف والحذر من أعين المخابرات وبين نشوة الحرية (الجزء الأول)


تقول إحدى القواعد التي يتبعها المحتل للسيطرة على الشعوب وإبقائها في حالة الخوف, أنه:
" لا حاجة لأن يكون من بين كل ثلاثة أشخاص عميل للمخابرات, ولكن يكفي أن يعتقد الجميع بذالك"


الخوف: هي كلمة السر التي يتبعها كل محتل للسيطرة على الشعب المحتل, فإذا أبقيت الشعب بحالة من الخوف فتأكد أنه لن يقوم لهذا الشعب قائمة.

لا زلت أذكر حتى اليوم إنتفاضة الأقصى في سخنين وأحداث يوم الأرض عام 2000, فقد كانت تلك السنة التي تلت إنهائي لتعليمي الثانوي وقبل دخولي للجامعة, فقد كانت مرحلة الطيش وعنفوان الشباب, ولا زلت أذكر طفرة المشاعر وضخامتها حتى ان القلب كان يضطرب لضخامة تلك المشاعر.

كنت أشارك في كل مظاهرة ليوم الأرض في سخنين, أيضاً تلك المظاهرة في شهر أذار في سنة 2000. لا زلت أذكر جيداً منظر الحاجة شيخة أبو صالح التي قارب عمرها ال- 70 سنة حينها, وهي تتقدم صفوف الشباب في المظاهرة. بعدها تبين أن الحاجة شيخة أستشهدت جراء الأحداث مع الشرطة وإستنشاق الغاز المسيل للدموع.

كانت المسيرة صاخبة حينها, وكانت المظاهرة في ظلال عدم توسيع مسطح البناء للقرية, كان الحفل الختامي في أحد كروم الزيتون غربي سخنين وبالقرب من مسجاف. لا زلت أرى منظر رجال الشرطة مسطَفين بين أشجار الزيتون يراقبون الشباب مراقبة الذئاب الجائعة للأغنام الشاردة. دماء الشباب تنتشر في عروقنا إنتشار حمم البركان. من دون مقدمات ومن دون أن أذكر لماذا, بدأ رشق الحجارة إتجاه رجال الشرطة المختبئين بين أشجار الزيتون. ثواني وبدأ وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع ينهمل علينا. كنت قد تخيلت ورسمت في مخيلتي طوال الليل تلك اللحظات التي تقذف فيها قنابل الغاز إتجاهنا, وكنت قد رسمت الخطة في ذهني, وهي أن ألتقط قنبلة الغاز فور سقوطها وقبل إنتشار الغاز بكثافة, ورميها بإتجاه رجال الشرطة.

حاولت تنفيذ مخططي, لكني لم أتخيل أن والدي كان يسير خلفي طوال المظاهرة ويراقبني, وما أن وقعت يدي على قنبلة الغاز محاولاً إمساكها وقذفها, وإذا بوالدي يقف بجانبي وفوق رأسي يصرخ علي أفلتها.
كانت مفاجأة مذهلة لي.

قادني أبي الى البيت قائلاً لي:
"إياك والتهور, فأنت مقبل على الجامعة وأية مخالفة وتصرف طائش قد يدمران مستقبلك وحياتك, تخيل لو تم إعتقالك, إنتظر بضع سنوات حتى تنهي تعليمك الجامعي وتبني شخصيتك وتطورها, وعندها إفعل ما تريد. فإن إعتقالك لن يفعل للأمة ولا للشعب شيئاً, ولكن أكاديمياً مثقفاً يهتم لحال أمته يخدم شعبه أكثر من ألف ألف معتقل وسجين".

كانت تلك أفضل نصيحة لي طوال حياتي.

أيضاً لا زلت أذكر كيف أن أبي إستمر في مراقبتي والسير خلفي طوال أحداث أوكتوبر 2000 التي تلت أحداث يوم الأرض. فقد كان يعرف والدي طيشي وضخامة غضبي, لكنَي حينها كنت قد وعدت أبي أني سأستمع لنصيحته وأني لن أقوم بشيئ متهور, وأني سأتروى وأفكر في إتجاهات حياتي بالجامعة. وفعلاً كان ذالك.

الجزء الثاني يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق