الثلاثاء، 12 يناير 2010

مصلى الرجال في هداسا عين كارم, كهف تحت الأرض يشع منه نور الإسلام



شاء الله أن أكون قبل يومين في صلاة "الإفتتاح" لمصلى الرجال في مستشفى هداسا عين كارم, وكانت صلاة العشاء.
كنت حينها في زيارة لأخ حبيب يدرس موضوع الطب في هداسا عين كارم, وكان هدف الزيارة الحديث في شؤون حركة الرسالة الطلابية التي ننشط فيها أنا وهو, خاصة وأننا كنا على مشارف إنتخاب إدارة جديدة للرسالة, وبحمد الله تم إنتخاب إدارة جديدة لدعوتنا, هي ربما أكثر الإدارات تميزاً في السنوات الأخيرة.

كنا نجلس ونشرب القهوة حين أخبرني أخي أمير بأن الأخوة الشباب دعوه "لإفتتاح" مصلى الرجال في المستشفى وأنه ستكون هذه أول صلاة في المصلى, وأن الأخوة ينوون تأدية صلاة العشاء فيه.

أحببت الفكرة وإشتقت للصلاة في جماعة مع الإخوان من طلاب الجامعة, فدائماً ما تعيدني هذه الذكريات لأيام جميلة قضيتها في الجامعة, كانت هي أيام الشباب. هي الأيام التي تحدد فيها لنفسك الطريق التي تريد أن تسلكها في حياتك.
فالجامعة هي المحضن لشخصيتك وبوصلة القيادة لمستقبل حياتك. ففيها تتحدد مهنتك وشخصيتك, وفي كثير من الأحيان تبدأ مرحلة الإلتزام فيها, وفيها تتبلور شخصيتك كقائد يسير معه الناس, أم إمعة يسير مع الركب السائر, وأحياناً أخرى تبدأ مرحلة الإنحلال والإنفلات في الجامعة, كل يختار مساق حياته.

أخبرني أخي أن اللقاء في الساعة السابعة, وسألته من القائمين من الشباب على "الإفتتاح" فأخبرني "الشباب" الملتزمون في السكن. أحببت ذالك كل المحبة, فقد كان أكثر الناس حباً الى قلبي أولئك الشباب الملتزمون, مع أن لبقية الطلاب محبة في قلبي, حتى العصاة أحببتهم من باب الرحمة والرأفة بهم والشفقة لحالهم, إلا أن الشباب الملتزمين كانوا مفخرةً لكل مسلم, فحال الجامعات وسهولة الإنحلال والتحلل فيها تجعل الملتزم درة ثمينة تهواها القلوب والنفوس .

سرنا الى المبنى الرئيسي للمستشفى, نزلنا تحت الأرض بطابقين. قطعنا عشرات الأمتار سيراً تعلونا أنابيب غريبة ذكرتني بسفن الفضاء, وضجيج الماكنات تحت الأرض كان يهدر في أذني يعيد الى ذاكرتي ذكرى أيام قضيتها في العمل في مصانع النسيج. عبرنا من باب للأمان تمر من خلاله بعد ثوان من الإنتظار حتى ظهور ضوء أخضر, فتشعر في خلجات نفسك كأنك في فرن ذري للسلطات الإيرانية حيث مركز أنظار العالم.

حتى بعد المسير لعدة دقائق لم نجد المصلى,فلا لافتات ولا إشارات تدل أنه من الممكن أن يكون في ذالك المكان المعزول عن العالم مصلى, فالمكان أشبه بمنجم من مناجم الفحم في الصين, حتى ضابط الأمن الذي وجدناه تحت الأرض لم يعرف المكان, وبالرغم من سؤال صديقي له عن وجود شباب عرب "حيبري عربيم" في المنطقة, فإن ذالك لم يساعد في شيئ.

جاء الفرج بعد أن دخلنا في متاهات وسراديب عديدة, وبعد أن رأينا شخصاً أخر سألناه عن "باب الكهان" "شاعر كوهنيم" فأشار إلينا بالاتجاه المطلوب.

كان المكان مدخلاً لأحد ملاجئ الأمان في المستشفى, على بابه علقت لافتة بيضاء كتب عليها بالخط الأحمر "مصلى للرجال", عبرنا الباب ودخلت متقدماً برجلي اليمنى كما علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام قارئاً دعاء الدخول للمسجد: "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك".
دخلت المصلى, فإذا هو بمساحة حوالي 50 متراً, فرشت معظم أرضيته بسجادات الصلاة, وتزينت جدرانه ببعض الملصقات الدينية من أيات القرأن الكريم وأحاديث الرسول, وإعتلت تلك الرفوف الصغيرة التي تسلقت الحائط بضع مصاحف وكتب دينية, كان أحدهما رياض الصالحين.

كان قد سبقنا للمصلى أخوين طيبين كلاهما تسمى بإسم الرسول, كلاهما محمد, وأخ أخر هو علي على إسم علي بن أبي طالب, وأسأل الله لهم أن يكونوا من أحباء النبي محمد ومن الذين يشربون بيده من الحوض.
بجانب غرفة الصلاة كانت غرفة صغيرة للوضوء, توضأت وأسبغت الوضوء وصليت محاولاً الخشوع بكل جوارحي ركعتي تحية المسجد, فهذه صلاتي الأولى في هذا المصلى عله يشهد لي يوم القيامة أني قد صليت فيه.
تبادلنا الأحاديث مع الأخوة لبضع دقائق, وأذ به يعلو من خلفنا صوت وصخب, كانوا مجموعة من الأخوة الذين جاءوا للصلاة ولللإفتتاح. كان عددهم 8 إخوة, سلمنا على بعضنا وتعانقت مع بعضهم, فكلهم أخوة لي أشهد الله أني أحبهم, والسلام بين الأخوة والمتحابين بالله هو سنة وهدي من هدي النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
بدأنا نرتب صفوفنا للصلاة, وإذا بأحد الأخوة يفتح مظروفاً أحضره معه ليخرج منه قميصاً أخضر "بلوزة" طبع عليها شعار لإحدى الحركات الإسلامية, رمى بها لأحد الأخوة قائلاً له إلبسها, فعلق عليه أحد الإخوة هو أحد المحمدين قائلاً, ما هذه الدعايات؟ هل جئنا للصلاة أم لحفلة؟ تبسمت لملاحظته التي عبرت عن ما جال في فكري.
أخوين أخرين لبسا هما أيضاً قميصاً أخضر فوق ملابسهما وتقدم أحدهما بعد طلب الإخوة منه ليؤم بنا في الصلاة, فقد كان أخاً يشهد له بالسيرة الحسنة والخلق الطيب ويحفظ عدة أجزاء من القرأن الكريم ويتقن القراءة. كان صوته عذباً ممتزجاً بنبرة صوت قوية زادته تأثيرأ في النفوس, فخشعت نفسي وكنت أدعو الله في سجودي أن يديم المحبة والأخوة بين المسلمين, فنحن أبناء دين واحد, نبينا واحد ونصلي صلاة واحدة لرب واحد ولكن هوى النفوس وطمع الدنيا ونزغة الشيطان فرقتنا.
سلمت على الأخوة بعد الصلاة, أستمحتهم عذراً للإنصراف مبكراً فقد كانت أختي وزوجها وبناتها في زيارة للقدس وكانوا قد سبقوني الى بيتي ينتظرون قدومي للعشاء.
عانقت بعض الأخوة من جديد وتركت المصلى أنا وأخي مودعين الشباب, متحدثين عن حلاوة الصلاة في جماعة وفي مصلى, حدثت صديقي عن رغبتي في أن يكون في كل حرم جامعي مصلى, ورجوت أن يكون في جبل المشارف مصلى يزدان فيه الحرم الجامعي, فللأسف لا زالت سلطات الجامعة تتهرب من تخصيص مصلى هنالك, وبالرغم من طلبات وضعت أمام الجامعة, لا زالت تحترف التهرب من تلبة طلبنا.
سرنا من جديد في نفس الدهليز تحت الأرض, وصلنا لأخر مفترق قبل الخروج, نظرت خلفي لأرى ذكريات المصلى, فلمحت ذالك الأخ يخلع عنه قميصه الأخضر ليزدان صدره بملابس بيضاء من دون شعارات, كانت تلك أخر ذكرى من ذكريات المصلى.

هناك 3 تعليقات:

  1. السلام عليكم

    الله يقويك يا حج

    ويديم المحبة

    مصلى في قلب هداسا ، ما ألذه وما اطيبه .

    موقعه في حرم عين كارم استراتيجي نسبيا .

    اسال الله ان يكون منبرا للحق

    ردحذف
  2. حياك الله أخي شادي
    وفعلاً أسأل الله أن يزرع المحبة بين صفوف المسلمين وأن يديمها

    ردحذف
  3. ما ضيعنا الا الاخضر الله يلعنهم كذابين وقتله

    ردحذف